الى القدس الحبيبة ..
___________________________________________
الى القدس الحبية .. سيدتي ومولاتي .!
أكتب إليك وينكسر القلم، وتنهزم الكلمات، وتعدو الحروف فوق الورقة الهاربة..ولكن إلى أين..؟
أمد يدي ُأحاول أن أتعلق بها… استرجعها إلى مدار الحوار…أرجوها…أستميلها بكل وسائل الإغراء،
وتظل تهرب…وأتكوم على ذاتي التي اعتادت مني اللجوء إليها في أزمنة الشدائد وأوقات الهزيمة...
في زمن من يغتالون الشمس، ويسرقون الضياء، يصيغون من بهائه فساتين فرح وخوذات فارس ودمى
لطفلة، يقطعون أوراق العاصفة وهي تئن... ينسون أنفسهم في غمار الأحزان، يستيقظون ينامون،
يملئون جنبات الوادي بصراخهم الهستيري الممل، والطريق تبدو من وراء أوراق الأشجار، أشبه بأنثى
شاحبة اللون، نزفت دماؤها على قارعة الطريق.....وتطل مع الكلمات العفوية ...سنوات العمر التي
مضت...تعلن في الوقت نفسه عن دقائق عمرٍ مضى يجري هنا وهناك....
حكايات الأمس سيدتي أشبه بأشرطة سينمائية...الجبال .. أوراق الشجر... زهرة الياسمين الفريدة وهي
تعبق في أجواء البيت الصغير....أين أصدقاء الأمس؟؟
هل اغتالتهم ظروف حياتهم فنأوا عنا بعيداً...!
هل يعقل أن تغتال الظروف حياة الإنسان؟؟؟... نعم..!!!
كما يغتال الناس الشمس، والضياء، والقمر، وكل شيء جميل....فالحياة ليست كلها فرحاً...
فهاهو الطريق وها هي ذكريات الأمس بدأت تطل من بين عينيّ وكأنها تحدد معالم رحلة طويلة،
بدأت منذ نعومة أظفاري وحتى هذا اليوم الذي اعتبره يوم العودة...
وبدأت أحس أن بعض الناس وليسوا كلهم هم الذين يغتالون الشمس ويسرقون الضياء..
فأنتِ سيدتي شيء آخر ... يمتلئ قلبك بالحب والحنان لدرجة الفيضان وهي أسمى صفات الإنسان هذا
الذي يعيش على أرضك وهو في حلم كبير يبدأ يوم مولده ولا ينتهي...
أفتقد النور سيدتي من خلال دياجير الظلمة، أبحث في الوجوه التي أراها ُتشرق بالبسمة، صورة قديمة
ودعتها بالأمس وقلبي يكاد يعتصر في داخل صدري، أنا الذي عشت سنوات عمري كلها المح الفجر
يصحو على شفاه حمراء دافئة....!
حياتي مجرد صورة، حلم، حكاية يتصل بعضها ببعض وكأن جملها القصيرة ترديده لنغم حائر.
الناس يصنعون الحياة، لكن بعضهم يفتقد روح الحياة، عندما يبحث عن ظله من خلال ما يعيش.
ظروف الأمس مولاتي، أشبه بحكايات جنيّات ضاعت أقدامهن في الطريق وهن يبحثن عن المتعة
من وراء أمواج البحار الدافئة... أضواء القمر الحاني تغتسل في أحداق البحر بحّرية والرمال الحمراء
أحال الضوء لونها إلى ألوان جديدة، تتناسق كنغمٍ حائر وتتماسك أشبه بما تتماسك به الجمل الموسيقية.
يخطها ملحن بارع، لا جديد يمكن أن يضاف إلى الأصل. فالأصل عطاء والصورة غطاء للعطاء...
الذي أصبح علامة حائرة تظهر وتبدو ثم تختفي وراء اسراب الطيور المهاجرة....في ظل الأشجار الكبيرة
يعيش البشر متجاورين أشبه ما يكونون بالطيور التي خرجت من أقفاصها ذات صباح بعد أن ودعت الأمس
بعيداً عن ضوضاء المدينة. فأنا وأنت سيدتي نسمة بلا هدف.... يلوح وجوهنا بريق خافت وأنيق اكتسبناه
من البحر... فالبحر مولاتي هذا العملاق الساحر... يعرف كيف يهب ويعطي ... ويعرف أيضاً كيف يبخل.
سنوات المد في حياتي كانت كبيرة معطاءة... حتى إذا ما أخذ الجزر طريقه أمام عيني، بدت معالم الطريق
أشبه بغابة ملآى بأشجار الشوك الكبيرة.
كثيراً مولاتي ما يحلو للإنسان أن ُيضيء شمعة في النور بعد أن أضاء شمعاتٍ في الظلام، لكن الأضواء
الصغيرة تضيع في خضم الأضواء المشرقة. فأنتِ سيدتي ُأعجوبتي ومعجزتي ...
في أحضانكِ أنام مع ولوج الليل وأصحو مع زقزقة الطيور وإشراقة الصباح...
كل مافيكِ ُيطلُ على الأرض من هضبات صغيرة، يتلاصق بعضها ببعض....
فصول السنة الأربعة أراها بوضوح ومع هذا تظل الحيرة ُتغلف هذا القلب الصغير.
فأحلامي كبيرة سيدتي...لأن الأحلام الصغيرة تظل دائماً صغيرة، إذا لم تكن على مستوى تستطيع معه
أن تكبر.... كل هذه الأحلام تضيع مع أول رشة مطر وزعقة رعدٍ كما تضيع الأقدام في الطريق الشائك.
نظرة واحدة مولاتي على تلك الأيام التي انقضت تجعلني أحس أحيانا بأنني مجرد فقاعة في جدول ماء نهري
تسكب الجبال فيه ذرات عيونها... دفعات ودفعات.... أكثر ما يعجبني فيكِ سيدتي هو حرصكِ على الحياة...
وأنتِ ُتصافحين بعينيكِ وجوه الناس، كأنهم أشبه بالغرقى أمام ناظرك... وأنت فقط الربان الذي تستطيعين أن
تهبي الحرية لكل الغرقى.... وعلى الرغم من هذا الشعور، فعندما ُأحدق في عينيكِ وانظر إلى وجهكِ الجميل...
أكتشف واشعر بان كل مآسي الدنيا تعيش في أعماق هذه البحيرة الساكنة......!
------------
معاً على نفس الطريق