مظاهر انتهاك الكرامة الإنسانية من قبل الاحتلال البريطاني زمن الثورة الفلسطينية الكبرى 1936ـ 1939
أ.عبدالعزيز أمين عرار/ مشرف التاريخ في محافظة قلقيلية
دخلت فلسطين ضمن الحكم العسكري البريطاني منذ أن دخلت القوات البريطانية القدس بقيادة الجنرال أللنبي في الحرب العالمية الأولى عام 1917وأعلن تحويلها إلى إدارة مدنية عام 1920 وكان هربرت صموئيل أول مندوب سامي على فلسطين ، وصدر في عام 1922 صك الانتداب البريطاني ليضفي شرعية دولية على انتداب البلاد ،وهو كتاب يشمل خطة تدار بها فلسطين من قبل دولة الانتداب البريطاني والتي حصلت على تفويض من عصبة الأمم ويقع في 28 بندا تتمحور حول وضع البلاد وإدارتها في أحوال اقتصادية وسياسية وإدارية تضمن نجاح قيام مشروع الكيان الصهيوني وترقية مؤسسات الحكم الذاتي لمصلحة اليهود في فلسطين و صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين بغض النظر عن الجنس والدين(1).الكيالي،ص345
وعند النظر لباقي المواد نجد أنها تخول الوكالة اليهودية المشاركة في إدارة البلاد ،وبناء عليه يمكن أن نقرر أنها كانت منحازة لطرف على حساب طرف رغم إقرارها بوجود العرب في فلسطين لكنها تعاملت معهم كأقلية وتناست أنهم أغلبية وعلى العكس من ذلك مع المهاجرين اليهود إلى فلسطين .
وإذا كانت بريطانيا من خلال قوتها وسيطرتها على عصبة الأمم قد شرعنت سياساتها ومعاملتها فقد لجأت أيضا إلى معاملة جماهير الشعب الفلسطيني بأسلوب وحشي في انتفاضاته المتكررة واستخدمت القوة المسلحة والأرهاب في قمع التظاهرات والمسيرات وفرضت الغرامات الباهضة واستخدمت القوة المفرطة في انتفاضات 1920 و1921 و1929 و1934 ، وقد زادت حدة وشراسة في ثورة 1936ـ 1939 .
تعريف بثورة 1936ـ 1939:
تفجرت شرارة الثورة منذ استشهاد الشيخ عزالدين القسام في 20|11| 1935وحصلت جملة أحداث في منطقة يافا وطولكرم وأعمال بريطانية وصهيونية واعتداءات على العرب عززت القناعة باستخدام أسلوب جديد في النضال ضد الاحتلال البريطاني واعتباره العدو رقم واحد بدلا من الصهيونية وقامت مجموعة فرحان السعدي بعمل عسكري في 15 نيسان 1936 على طريق نابلس طولكرم،وبدأ الفلسطينيون إضرابهم الكبير يوم 21/4/1936 وخرج الثوار إلى الجبال وشرعوا القيام بأعمال مسلحة وتشكيل فصائل عسكرية اعتمدت سلاحا بسيطا كالبندقية والمسدس واستمر إضراب الشعب الفلسطيني حتى 13/10/1936 وتوقف الإضراب بسبب جهود الوساطة العربية وتطمينات زعماء العرب بالتوسط لحل المشكلة عند صديقتهم بريطانيا ، وجرت جهود سياسية لحل الصراع العربي ـ الصهيوني على أساس تقسيم فلسطين وتكللت بالفشل وعادت الثورة من جديد في 26/9/1936 بعد قتل حاكم الجليل أندروز وزاد عدد الثوار وفصائلهم حتى بلغت ما يزيد عن 300 فصيل مسلح و يتراوح عدد الفصيل بين 15 ثائر ومائة.
واشتهر من بين الثوار قادة مناطق وقادة عامون وأبرزهم أحمد خليل عيسى "أبو إبراهيم الكبير" في جبال الجليل ومحمد توفيق الإبراهيم " أبو إبراهيم الصغير" في منطقة الناصرة ويحي هواش قائد منطقة طبريا، ويوسف أبو درة قائد منطقة جنين وحيفا، والقائد محمد الصالح أبو خالد قائد منطقة نابلس،والقائد عبدالرحيم الحاج محمد قائد منطقة طولكرم الذي اكتسب لقب القائد العام للثورة والقائد عارف عبدالرازق في منطقة المثلث ويافا،والقائد حسن سلامة في منطقة اللد والرملة والقائد عبدالقادر الحسيني في منطقة القدس والقائد عبدالحليم الجيلاني في الخليل وغيرهم كثير .
قام هؤلاء الثوار بمعارك عديدة وفي مختلف مناطق فلسطين وشاركهم فيها متطوعون عرب وصل عددهم قرابة 500 ثائر يقودهم القائد فوزي القاوقجي ومنهم سعيد العاص ومحمد الأشمر ومحمد نجيب صعب ،ونجحت ثورة الشعب الفلسطيني في شن معارك مفتوحة لعدة ساعات ودخل الثوار مدن القدس ورام الله وبئر السبع وقتل حكام عسكريين في هذه المدن وأظهروا بطولة فائقة واستعداد عال للتضحية وأمام هذا الواقع أحضرت بريطانيا قادة حرب العصابات أمثال : تيجارت وهايننغ وراحت تمارس سياسة تعسفية وجرائم يندى لها جبين الإنسانية وتتعارض كلية مع احترام حقوق و كرامة الإنسان ومع مبدأ حق تقرير المصير للشعوب وهذه صورا منها:
العقوبات الجماعية:تمثلت بفرض إجراءات عقابية على المدنيين تتناقض مع حماية المدنيين زمن الحرب كأن يتم فرض منع التجوال وحشر المدنيين في جوامع القرى والبلدات وأحيانا يتم إخراجهم للساحات العامة في أجواء الحر اللهيب ويحاطون بأسلاك شائكة طيلة اليوم أو فرض طوق عسكري على أبناء القرية بحجة دعمهم للثورة ،ويتم العبث بالبيوت وخلط الحاجيات بالكاز،وأحيانا أغلقت شوارع في القدس بفرش الأرض بالأسلاك الشائكة أوبجعلهم يسيروا حفاة على ألواح الصبر.
لقد فرض حظر التجوال على بلدة عزون 42 مرة بسبب فصيل فارس العزوني وتم استهداف المدنيين واستشهدت فاطمة غزال وأحمد القدومي بقذيفة أطلقتها طائرة يوم 26/6/1936، وفرضت على كفرثلث 8مرات بسبب استضافتها للثوار وأطلقت قذيفة على مجموعة فلاحين في آذار 1938واستشهد بسببها عبدالله القصاص ،وجوبهت قرية عتيل بقتل مدنيين وحرق مصاحف المسجد والتحرش ببعض النساء كما ورد في أحد المنشورات الثورية التي وزعها فصيل القائد العام عبدالرحيم الحاج محمد وفي قرية بيت جبرين قتل فلاح كان يذري قمحه على بيدره بحجة أنه يرفع سلاحا.
وانتقموا أيضا من بلدة عزون شر انتقام حينما قام الثوار بمهاجمة الشرطة الإضافية في 4/5/1938وقتل وجرح عدد منهم بأن هدموا مجموعة بيوت ودواوين وأوقفوهم في العراء المكشوف لعدة أيام.
الاعتقال الإداري: شنت بريطانيا حملة اعتقالات إدارية للقادة ولأعضاء اللجان القومية في المدن والقرى الفلسطينية بعد استمرار العصيان المدني والعمليات المسلحة عام 1936وقذفت بهم في معتقل عوجا الحفير وصرفند ومن بينهم أكرم زعيتر وعزالدين الشوا عوني عبدالهادي وفرضت الإقامة الجبرية على غيرهم.
الدروع البشرية:استخدمت هذا الأسلوب أمام هجمات الثوار واحتلالهم القدس والذي شنه مجموعة من قادة الثورة وفصائلها أمثال: عارف عبدالرازق ( الطيبة المثلث) وفارس العزوني وحمد زواتا وحافظ ومحفوظ (كفرالديك) بالتعاون مع ثوار دخلوا المدينة أمثال: بهجت أبو غربية وماجد القطب وغيرهم .
قرر البريطانيون التخلص من المأزق الذي وقعوا فيه باستخدام الدروع البشرية من المقدسيين وبهذه الطريقة اضطر الثوار للخروج.
النسبية والتناسب: لا علاقة بينهما فقد استخدم الاحتلال البريطاني أسلحة ثقيلة وطائرات ومدافع لقصف تجمعات الثوار في الريف في عدة مناطق حتى باتت تحرق الشجر والحجر وقصفوا مدنيين وجمهرة فلاحين وقام الضباط الانجليز بعدة ممارسات استفزازية وإهانة للشعب مثل:أعمال الضابط البريطاني سيكرست في القدس الذي كان يتجول في الشوارع ويتعمد اهانة الجميع الكبار والصغار وأخيرا انتقم منه الشاب سامي الأنصاري وبهجت أبو غربية بقتله في شوارع المدينة واستشهد سامي ونجا بهجت.
ومما فعلته بريطانيا التصفيات المباشرة لثوار يتم القبض عليهم ومعاقبة مدنيين وكذلك الحكم بإعدام ما يزيد عن 201 أحصاهم الباحث بحجة حمل السلاح أو لأنهم قاوموا الاحتلال البريطاني وأحيانا وجد بحوزتهم رصاص،ولم يعدم سوى يهوديان اتهما بأعمال جنائية، وهدمت بيوت عدد من قادة فصائل الثورة ومن يؤويهم مثل: بيوت عبدالرحيم الحاج محمد وعارف عبدالرزق وفارس العزوني وغيرهم وتم تجريف حي قديم بمدينة يافا حتى تتمكن السيارات العسكرية من عبور شوارع المدينة.
أخلاق الثوار وفهمهم الإنساني: لم تكن أخلاق الثوار بالمستوى الذي تمارسه دولة الاحتلال بل كانوا يتحلون بخلق الإسلام والعروبة وقيمها الأصيلة وهذه قصة تلقي الضوء على ممارسة الثوار وقائدهم عبدالرحيم الحاج محمد عبر بيان أصدره القائد آنف الذكر.
بسم الله الرحمن الرحيم
بيان إلى الأمة العربية الكريمة
لقد اسر مجاهدو فيصل الزلزال على طريق حيفا ، يافا المهندس اليهودي (جيشو دفنا) وفي الجلسة المنعقدة في تاريخ 18/8/38 قررت هيئة محكمة فصيل الزلازل إعدام هذا الشخص رميا بالرصاص مع إعطائه حقا باستئناف هذا الحكم إلى المحكمة الثورية العليا.
وعند طلبه الاستئناف إلى المحكمة المذكورة التي تشكلها القيادة وأركان حربها وبعد سماع أقواله وأقوال كثير من الشهود قررت المحكمة ما يأتي:ـ
1. وبما أن شهودا عرب موثوقين قد شهدوا لصالح جيشو دفنا المذكور .
2. وبما أنه لم يعترف أنه يعتنق فكرة الصهيونية التي نكرهها ونحاربها .
3. بما أن قتله يسبب كوارث وآلام لأطفاله الصغار .
4. وبما أن محكمة القيادة تأخذ بقول العرب الشهير " العفو عند المقدرة "
5. وبما أنها تعتبره أسيرا يجب أن لا يؤذى .
لكل هذه الدلائل وملابستها حكمت القيادة الحكم التالي :ـ
1.إطلاق سراح الأسير المذكور وعدم قبول الفدية التي عرضها الأسير نفسه ومقدارها ألف جنيه ليكون هذا دليلا على أن الثورة أوجدت لغاية عليها تتنزه عن المادية الخسيسة.
2. صرف خمسة جنيهات من خزانة الثورة وملابس عربية لهذا الأسير وإرجاعه إلى مقره بسلام.
3. تكليف لجنة النشر بإعلان هذا الحكم وحيثياته على أناس ليعلموا أن العرب نبلاء في كل أفعالهم وأنهم من أعدائهم كما قال الشاعر
وحللتمو قتل الأسرى غدونا عل السرى نمن ونصفح
ويكفيكمو هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
المجاهد الصغير عبد الرحيم الحاج محمد.
وفي أحد المنشورات التي وزعها الحزب الشيوعي في المستعمرات في منطقة السهل الساحلي وكتبها عارف عبدالرازق بين أن الثورة الفلسطينية لا تستهدف بنضالها اليهود بل بريطانيا والصهيونية صنيعتها ،وهي التي أوجدت خللا في علاقة العرب مع اليهود.
توصية: نحن مطالبون بالبحث عن سبل لمقاضاة بريطانيا على احتلالها والدمار الذي أحدثته في بلادنا لمصلحة الكيان الصهيوني الذي سبب معاناة مستمرة لا زالت آثارها حتى اليوم.
مصادر ومراجع:
ـ مذكرات المناضل بهجت أبو غربية 1916ـ 1949 في خضم النضال العربي الفلسطيني،مؤسسة الدراسات الفلسطينية 1993.
ـ عبدالوهاب الكيالي:تاريخ فلسطين الحديث ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
ـ شمسنا لا تغيب،الجزء الأول أنغام الحياة 19882.
ـ أكرم زعيتر. الحركة الوطنية الفلسطينية 1930ـ 1939.
ـ منشورات وبيانات عن الشهيد القائد عبدالرحيم الحاج محمد
الجمعة نوفمبر 23, 2012 2:51 pm
