هوية وطن وذاكرة شعب يأبى النسيان
ماذا يعني لنا التراث ؟
وما علاقته بالوطن والذاكرة والهوية؟
وما جوانب التراث؟
التراث ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا ... والتراث هو الماضي والحاضر بما فيه من جوانب مادية وقيمية.... والتراث هو صورة الهوية والشخصية لنا كشعب يعيش في هذه البلاد. منذ أقدم عصور التاريخ.
وفي هذا التقرير سنختار بعض الُدرر الغنية في تراث شعبنا لنشتم عبق هذه الذاكرة ومفاخرها الحية والتي لا تموت وتراثنا الغني يحاكينا عندما نتجول في شوارع القدس وحاراتها العتيقة ،أو نقف على جبل الزيتون ونشاهد أقصانا الجريح النازف وقبة الصخرة التي تلمع بأشعتها الذهبية وتتدلى ساعة المغيب كشعر أشقر منسدل على طرفي ساحة الحرم الشريف .
وتذكرنا القدس بمن جاؤوا من الصحراء على خيولهم الضامرة وكانوا خفافا وغير متخمين لم يثقلوا كاهلها وهي تقود الفتح العربي الإسلامي حاملة الرسالة العظيمة للقدس والعالم بأسره .
وفي عظمة التاريخ والتراث والهوية والوطن تحتفظ ذاكرة فلسطين بأشياء عظيمة وكثيرة وما من مدينة وقرية وخربة وضيعة وبادية وعزبة إلا ولها إسهامات واشراقات تراثية وشعبية تعبر عن عظمة هوية هذا الشعب وتراثه الغني .
ففي الأغنية الشعبية، والمثل الشعبي، والحكايا والقصص الشعبية، والنوادر ،وجغرافيا أسماء الأراضي، والزجل الشعبي، والحرف الشعبية،والمطرزات وصناعة الصابون،والأكلات الشعبية، وعمران البيوت القديمة ،وصفحات النضال والتضحيات المشرقة، وقيم العطاء والفداء، والتكافل الاجتماعي ،وإكرام الضيف والثأر للعرض والشرف وحماية المستجير والطنيب والألعاب الشعبية ،والترانيم الحزينة والبكائيات ، وقيم التسامح بين أبناء البلاد وطوائفه هذه وغيرها تتضح عظمة هذا الشعب وغناء تراثه العريق .
وللدلالة على عظمة هذا الشعب أقدم بعض أمثلة استقيتها من كتب التاريخ والتراث ومن أفواه كبار السن .
تفخر نساء فلسطين بالثوب الفلسطيني المطرز وللغرز فيه تسميات عديدة ومنها قشرة البصل ، فقلن في الأميرة الجميلة التي اختارها الأمير:
طلعت بثوب قشر البصل ولبست ثوب قشر البصل
راح الخبر واتصل (...) ميخذ شلبية
لبست ثوب من الحرير وخلعت ثوب من الحرير
راح الخبر للأمير (...) ميخذ شلبية
وتهز النساء مهد الطفولة وكما قال نابليون (إن المرأة التي تهز السرير بيمناها تحرك العالم ييسراها ).وغنين بشذى الألحان ويطربن أطفالهن ليجلبن النوم وراحة البال لهم.
نامي نامي واذبحلوا طير الحمام
يا حمام لا تصدق على شان الطفل ينام
وتدلنا الحكاية التالية على تسامح الإسلام والمسلمين مع اليهود يوم ان عاشوا معا في المدينة المنورة وقبل أن يعمل فيهم النفاق عمله ويعاقبهم الرسول على فعلتهم. وهذه الحكاية جاءت كتهليله حوارية مع هذا الطفل المستلقي في سريره والتي جاء فيها :
فاطمة قالت لأبوها :
يا أبتي اليهود عزموني وفي عرس الحسن والحسين أجوني .
قال الرسول (صلعم) يا أبتي اذهبي لهم .
قالت يا أبتي جبتي من صوف ولحمي بان منها
لا أمي ولا أختي تني استعير منها
توضأ وصلى لربه ركعتين وكرامة لمحمد نزله بدلتين
لبستهم فاطمة الزهراء وراحت لعرس اليهود تهني
قالوا اليهود يا فاطمة الزهراء منلك بدلة الفخرا
قالت :_ أسلموا يا يهود وأنا بعطيكم بدلتي الأخرى
هنأت وروحت وقال لها أبوها:
يا أبتي هل تريدين الآخرة أم الدنيا؟
قالت فاطمة: الآخرة يا أبتي
نّزلت الدلو في البئر طلع ذهب.
ورد سألها : ماذا تريدي؟
قالت: أريد الآخرة واخرج الماء.
وفي موسم الحج والذي كان يحتاج لمدة شهرين من المشي ناهيك عن خطر قطاع الطرق لهذا توجهوا من خلال (المحمل الشامي) ومعهم الوالي العثماني ويذهب أبناء بلاد الشام مع بعضهم البعض في هذا المحمل
قالت إحداهن:صرارة صرارة يا طريق النبي
ببيع السوارة يا حجة وقومي اركبي
كلك شجر وورد يا طريق النبي
من الشوب والبرد يحفظ الله الحجاج
على وين رايح يا كبير العيلة
كثر روايح من بلاد النبي .
وعندما سقط الثوار شهداء في معارك الفداء والتضحية قالت النساء :
طلت البارودة والسبع ما طل
يا بوز البارودة من الندى أنبل
يا رفاق احمد وين احمد وين
بجلي بارودتو فوق رأس العين.
وفي مواسم الحصاد وقطف الزيتون والكل متحمس من الرجال والنساء يحملون عصيهم : يا زيتون اقلب ليمون وانجدك بالجدادات
والحبة تسوى طبه والطبة تسوى قنطار
والقنطار بسد الدين على الله يا حج حسين
على الله سداد الدين.
وعانى أبناء بيت جبرين القرية الفلسطينية المدمرة التي طرد أهلها عام 1948 من قلة (التبن القطاني الأحمر) قالوا:
حنا عاش 800 عام ولا اتهنى
ملأنا عراق الفنش زبيب اسمر
بتقدروا يّلي ورانا اتملوه تبن قطاني احمر
والتبن عرفناه ومن حلب جبناه
بتقدروا يلي ورانا اتجبوه مثل ماجبناه
واشتهرت قرية بيت جبرين باستخراج الصخر الرخامي الأبيض حتى قيل إن أعمدة قبة الصخرة حملت من أراضيها وتحولت إلى مغارات وكهوف كبيرة ويفتخر أبناء هذه البلدة التي سميت باسم مدينة الحرية (الثروبوليس) في العهد الروماني ومما قالوه :
لا تقولوا انو الصخر طاع لينا
بحشنا العرقان على طول المدة وطول الزمان
وبيض العدة واكل الهبر وشرب الخمر.
وعند حصاد القمح يرددون الأهازيج والأغاني ومنها:
منجلي يا منجلاه
راح للصايغ جلاه
ما جلاه إلا بعلبة
ريت العلبة عزاه
ويجتمع الناس من كل حدب وصوب ومعهم عدتهم من الفؤوس والطواري ليبنوا بيتا أو عقدا أو علية وتشجعهم النساء ويقلن :
لمين الدار الكبيرة حسي فيها الفني
هذه دار ابو(...)عازم فيه الكنة
لمين الدار الكبيرة حايطها كرم تين
هذه دار أبو(...) ويا ثائر احمل مرتين
وثار أبي جلدة ومعه عصابة في منطقة نابلس وطارده المحتل البريطاني ولكنه قتل بعضا منهم وكان خفيف الجري وسر الناس به ،وغنت له النساء
قال أبو جـلـدة وأنا الطموني ... كـل الأعادي ما بهموني
قال أبو جلدة وأنا العرميطي .. وإن متت بكفيني الصيتي
قال أبو جلدة يا خويا صالح . اضرب لا تخطي والعمر رايح
وأبو جلدة ماشي لحاله.. والعرميط راس ماله
وأبو جلده والعرميط .. ياما كـسروا برانيط
هذا التراث الغني نفخر به ولا تسعه المجلدات أو الكتب ومع أن أجدادنا الأوائل تعبوا وهم يغرسون الأرض بالزيتون ونزل عرقهم كالدم المهراق إلا أن الصهاينة قاموا بسرقة التراث و اللقى الأثرية مدعين زورا وكذبا أن البلاد بلادهم وأن التراث تراثهم ،ولكن هيهات.. فهذا التراث شاهد وهذا التاريخ حافل وهذا الشعب خالد في أرضه ووطنه ،منذ اليوم الأول الذي شاد فيه حضارته ومدنيته؛ ففيه صنع أدواته الفخارية ،وبنا بيوتا في مدينة أريحا بدلا من تجواله وعيشه بأسلوب الإنسان الأول وكانت أريحا أقدم مدينة في العالم .
ففي مدينة أريحا نسجت نساء فلسطين صواني القش بنجومها الثمانية والخماسية والسداسية ونقش البناءون على باب بيوتهم ورودا ونجوما وبنوا أقواسا وخوابي وحفروا أبارا لحفظ القمح وتخزينه وأخرى للشرب منذ عهد كنعان وعلى أرض فلسطين نشر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عهدته التي كانت وستبقى درسا في التسامح عند الفاتحين، هي فلسطين ستبقى كزيتونة عريقة الجذور والتراث قوية المنابت بهويتها المنفتحة وأصالة شعبها هي الأرض وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة .
انظر :كتابنا بيت جبرين المدمرة وخريش المهجرة والمدمرة.
الجمعة نوفمبر 23, 2012 2:48 pm
